الأخلاق الحسنة إنّ الأخلاق لها مكانةٌ رفيعةٌ في الدين الإسلامي ، ومما يدل على ذلك الحثّ على التخلّق بها، والعمل على تنميتها، بأحسن الصور والأفعال، إذ إنّ الإسلام يقوم على أربعة أصولٍ، وهي: الإيمان ، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذلك كان للأخلاق الفاضلة نصيباً وافراً في القرآن الكريم، والسنة النبوية، كما أنّ الفطرة السليمة تدعو وتحثّ على الأخلاق الفاضلة الكريمة، فإنّ الصدق، والأمانة، والوفاء بالعهود، والصبر ، والشجاعة، تستحقّ حمد صاحبها، والثناء عليه، وذلك استناداً إلى العقل والتفكير السليم، كما أنّ الكذب، والغش ، والخداع، والغدر، والبخل ، تستحق ذم صاحبها، ومن الجدير بالذّكر أنّ الدعوة إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ونشر رسالة الإسلام، من الأمور التي تتطلب التحلّي بالأخلاق الكريمة والفاضلة، من القائم بها، وإنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والصحابة رضي الله عنهم، من أوائل الدعاة الذين تحلّوا بالأخلاق النبيلة، ومما يدل على ذلك وصف الله -تعالى- لنبيه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، بقول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، [١] ومن الواجب على كلّ مسلمٍ الاقتداء برسوله، وأخلاقه. [٢] أهمية الأخلاق في الإسلام تتمثل أهمية الأخلاق الحسنة والكريمة، بالعديد من الأمور التي تتحصّل بحسن الخلق، وفيما يأتي بيان بعضها: [٣] إنّ الأخلاق تعدّ الغاية التي من أجلها أرسل النبي محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، حيث ورد عنه، أنّه قال: (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ، و في روايةٍ صالحَ الأخلاقِ) ، [٤] وذلك يدل على أهمية الأخلاق، إلّا أنّ العقيدة الإسلامية، وعبادة الله تعالى، أهم من الأخلاق، إلّا أنّ الأخلاق الكريمة من الأمور الهامة، وذلك بسبب ظهورها للناس، فإنّ العقيدة غير ظاهرةٍ؛ لأنّ محلها القلب، كما أنّ العبادات لا تظهر جميعها بشكلٍ واضحٍ، لكنّ الأخلاق واضحةٌ من خلال تعامل الشخص مع غيره، وبذلك فإنّ الحكم على الدين مبنيٌ بالحكم على الأخلاق، كما أنّ الأخلاق من أنجح وأقوى الوسائل في الدعوة إلى الله تعالى، ونشر رسالة الإسلام، وبعدم الامتثال بالأخلاق الحسنة، صرفاً للناس عن الإسلام، ومبادئه، وشريعته.
صبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنّه ضرب أروع الأمثلة في الصبر على الأذى والشرّ، فقضى ثلاثاً وعشرين عاماً في مكة المكرمة، داعياً إلى توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، إلّا أنّ الكفار واجهوا دعوته، وتصدّوا لها بالعديد من الأساليب، والطرق التي تمنع من انتشارها، إلّا أنّ ذلك لم يؤثر على النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلّا زيادةً في صبره، مما انعكس إيجاباً على دعوة الإسلام ، بدخول أعدادٍ كبيرةٍ من الكفار إلى الإسلام، حيث خاطبه الله -تعالى- فقال له: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ). [١١] المراجع ↑ سورة القلم، آية: 4. ↑ "حسن الخلق" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف. ↑ "الأخلاق أهميتها وفوائدها" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2-10-2018. بتصرّف. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 45، صحيح. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 5557، صحيح. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 5632، صحيح. ↑ سورة الإسراء، آية: 16. ↑ سورة فصلت، آية: 34. ↑ سورة الأعراف، آية: 26.
[1] انظر: أصول الدعوة؛ عبدالكريم زيدان (ص: 154)، مؤسسة الرسالة - بيروت. [2] أخرجه أحمد (8595) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده صحيح، قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سندَه في كشْف الخفاء، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2349). [3] مسلم (4633) من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وقد تقدَّم تخريجه. [4] أبو داود (4166)، والترمذي (1925) وقال: حسن صحيح، وجوَّد المنذري سنده، وصحَّحه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب (2641). [5] أحمد (7095)، والترمذي (1082) وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: فيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1232). [6] البخاري (5569) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه. [7] أحمد (6447) وسنده صحيح، قال الهيثمي: إسناده جيد، وصحَّحه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب (2650). [8] أحمد (3632) وسنده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1/ 115). [9] مسلم (1290) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. [10] أخرجه البخاري (5629) مسلم (4718). [11] أخرجه أبو داود (3535)، والترمذي (1264) وسنده صحيح.
[12] أخرجه الضياء في المختارة بسند صحيح، انظر صحيح الجامع للألباني (1800). [13] أخرجه البخاري (5888). [14] ولا يُقصَد بذلك مماثَلة صفات الخَلْق لصفات الخالق، فالله - عز وجل - ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته. [15] أخرجه الضياء في المختارة بسند صحيح، وقد تقدَّم. [16] أخرجه أبو داود (4290)، والترمذي (1847) وقال: حسن صحيح، وصحَّحه الحاكم، والألباني في السلسلة الصحيحة (925). [17] أخرجه الترمذي (3435)، وقال: حسن صحيح، والحاكم (1942) وقال: صحيح على شرط الشيخين. [18] أخرجه مسلم (1686)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [19] أخرجه مسلم (131)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. [20] يجدر التنبيه هنا على أنه ليست كل صفات الله يستحب للعبد الاتصاف بمِثْلها، بل منها ما يَحرُم التخلق به كالكبرياء والعظمة، كما جاء في الحديث القدسي: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمَن نازعني واحدًا منهما، قذفته في النار))؛ أخرجه أبو داود (3567) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده صحيح.
أهمية الأخلاق في الإسلام الناظر في الشريعة الإسلامية يجد أنّ للأخلاق فيها أهميةً كبرى، وقد دأبت نصوصها على بيان ذلك في مواضعٍ عديدةٍ، فقد جعل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- السبب في بعثته إلى الناس هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنمّا بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاقِ) ، [١] فعلى الرغم من أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعث لأمورٍ أخرى أهم من الأخلاق؛ كالعقيدة، والعبادة، إلّا أنّه عبّر بهذا الأسلوب للإشارة والتأكيد على أهمية الأخلاق في الإسلام ، والسبب أنّ الاخلاق هي الوجه الذي يظهر للناس من الإنسان، وهو أبرز ما يدركونه من أعمال الإسلام في الإنسان المسلم، فهم لا يرون عقيدته لوجودها في قلبه، ولا يطّلعون على عباداته كلّها أيضاً، إلّا أنّهم يرون أخلاقه، وصفاته، ويتعاملون معه بناءً عليها، لذلك فإنّ تقييمهم له سيكون مبنياً بلا شك على ما يرونه من خُلقه، وقد أثبت التاريخ أنّ انتشار الإسلام في الشرق الأقصى من العالم؛ كأندونيسيا، والفلبين، وماليزيا لم يكن بفصاحة الدعاة، ولا بسيف المجاهدين من المسلمين، بل كان بأخلاق تجار المسلمين. [٢] والإسلام لم يتعامل مع الأخلاق على أنّها مجرّد سلوكٍ إنساني، بل جعلها عبادةً يُؤجر العبد على فعلها، والتمثّل بها، كما جعلها ميداناً للتنافس بين المسلمين؛ لتحصيل أكبر قدرٍ منها، ولذلك ربط الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بين خيرية الإنسان وفضله يوم القيامة، وبين أخلاقه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة، مجالس أحاسنُكم أخلاقاً، وإنّ أبغضَكم إليَّ، وأبعدَكم مني في الآخرة، أسوؤكم أخلاقاً) ، [٣] كما جعلت الشريعة الإسلامية حُسن الخلق من أثقل الأعمال في ميزان الإنسان يوم القيامة، وجعل أجره كأجر العبادات الأساسية؛ من صلاةٍ، وصيامٍ ، وجعله أيضاً سبباً في دخول الجنة، والتنعّم بنعيمها، فالأخلاق مؤشرٌ على بقاء الأمم، أو انهيارها، فإذا أوشكت أخلاق أمةٍ على الانهيار، فإنّ كيانها كذلك يصبح مهدّداً بالانهيار، ويدلّ على هذا المعنى قول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
كلمات إذاعية كلمة1 الأخلاقُ كلمة تحملُ أسمى المعاني وأنبل الصفات، فكلُّ ما يعرفُ من صفاتٍ فاضلة كـ: الصدق، الحياء، الصبر، العفّة، الرحمة، الشفقة، الكرم وبشاشة الوجه... وغيرها، يصبُّ في قالبٍ واحدٍ هو حُسن الخلق. وقد أكدّ الدين الإسلامي على أهمية الأخلاق في حياة الفرد، وورد ذلك في كتابنا العزيز بقول الله تعالى مخاطباً سيد البشرية جمعاء: " وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم "، وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق "، وقد بُعث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم رحمة للعالمين، فكان على خُلقٍ عظيم طيلة حياته، يُحسن معاملة القريب والبعيد، والصديق والعدوّ؛ لأنّه عرف أنّ "الدين المعاملة" فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى والمنارة التي تنيرُ طريقنا إذا سلكنا سلوكه وأطعناه في كلّ ما أمرنا به، وانتهينا عمّا نهانا عنه كلمة2 تقعُ على عاتق الوالديْن مسؤولية كبيرة في تربية الأولاد وتعليمهم، فالتربية قبل التعليم؛ لأنّها تغرسُ القيم، وقد قيل: من شبَّ على شيء شابَ عليه، فالطفل الصغير يفتحُ عينيه على عالمٍ جديدٍ � لا يفقه منه شيئاً � وهنا يجدُ أمامه نموذجاً يَحتذي به في سلوكه وتصرّفاته، فيحاول التقليد والتعلّم، فيا أيّها الوالدان الكريمان.. إنّ دوركما عظيم، ومسؤوليتكما جسيمة تجاه أبرياء ما عرفوا عن الدنيا شيئاً، علّموهم الأخلاق الفاضلة، وحبّبوا إليهم أنبل الصفات، وكافئوهم عندما يتصرّفون بطريقة صحيحة، وشجّعوهم على البذل والعطاء والمحبة والاحترام، علّموهم كيف يبتسمون للناس ويحسنون إليهم، فإن فعلتم كسبتم رضاء الله ومحبّة الناس كلمة 3 أقامت إحدى المدارس حفلاً لتكريم الطلبة المثاليين، وقد دعت إليه الآباء ليحضروا تكريم أبنائهم، وفي اليوم المحدّد افتُتح الحفل بآيات من الذكر الحكيم، تلا ذلك عدّة كلمات.. بعدها بدأ مقدّم الحفل بذكر أسماء الطلبة المثاليين، وفي تلك الأثناء اقتحم أحد الطلبة الصفوف حتّى وصل إلى المدير وهمس في أذنه كلمة.
فالله كريم يحب الكرم ويحب الكرام ويُكرِمهم، وجواد يحب الجود وأهله ويجود عليهم، ورحيم يحب الرحمة ويحب الرحماء ويرحمهم، ورؤوف يحب الرأفة ويحب من يتَّصِفون بها ويرأف بهم، وعفو يحب العفو وأهلَ العفو ويعفو عنهم، وهكذا دواليك. فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجود، يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها)) [15]. وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرَّحِم شِجْنة من الرحمن؛ فمَن وصَلها وصله الله، ومَن قطعها قطعه الله)) [16]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علِمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدْر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو كريم تُحِب العفوَ فاعفُ عني)) [17]. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)) [18]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)) [19]. وكفى بالأخلاق شرفًا أن ترتبط بصفات الله [20] ، وأن تحظى بحب الله، وأن يحظى أصحابه بثواب عظيم من جنس أخلاقهم. الثاني عشر: إن هذه الأخلاق الحميدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة لغيره فيها، فما أمر بخُلُق إلا وقدَّم التطبيق العمليَّ في أرفع صورة لهذا الخُلُق؛ ولهذا اهتمت كتب السير والشمائل بتخصيص مباحث في دراسة خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم نظريًّا وعمليًّا، وهذا يُوضِّح مدى المكانة العليَّة للأخلاق في الإسلام.
[٦] ثمرات الخُلُق الحسن للخلق الحسن فوائدٌ وثمراتٌ عظيمةٌ، فيما يأتي ذكر بعضها: [٧] يقلّل الأحقاد والخصومات بين الناس، بدلالة قول الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). [٨] يؤدي إلى حصول الإنسان على درجة الصائم القائم من العُبّاد. يؤدي إلى محبة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لصاحبه، وكذلك قُربه منه يوم القيامة. يثقّل ميزان الإنسان بالحسنات يوم القيامة. مُعينات على اكتساب حُسن الخُلق يُمكن للإنسان أن يكتسب حُسن الخُلق، ويتصف به من خلال قيامه ببعض الأمور، فيما يأتي ذكر بعضها: [٢] مجاهدة النفس على الاتصاف بالأخلاق الحسنة، وهذا يتطلب من الإنسان الإصرار على ذلك، والاستمرار بالمجاهدة إلى آخر يوم في حياته. محاسبة النفس ، ويكون ذلك بنقدها إذا قامت بشيءٍ من الأخلاق الذميمة، وحملها على عدم العودة لمثل ذلك بالحزم، والجد. النظر والتأمّل في العواقب الوخيمة لسوء الخُلق. عدم اليأس من إمكانية إصلاح النفس، وتعويدها على الأخلاق الحسنة. تجنّب العبوس، والحرص على بشاشة الوجه وطلاقته. 'التغاضي والتغافل عن أخطاء الأصحاب والآخرين، فذلك أبقى للمودة، وأبعد عن العداوة والبغضاء.